فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ}.
أي إثم {وَلاَ عَلَى الاعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} أي في التخلف عن الغزو لما بهم من العذر والعاهة، وفي نفي الحرج عن كل من الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم وتوسيع لدائرة الرخصة، وليس في نفي ذلك عنهم نهي لهم عن الغزو بل قالوا: إن أجرهم مضاعف في الغزو، وقد غزا ابن أم مكتوم وكان أعمى رضي الله تعالى عنه وحضر في بعض حروب القادسية وكان يمسك الراية.
وفي (البحر) لو حصر المسلمون فالفرض متوجه بحسب الوسع في الجهاد {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} فيما ذكر من الأوامر والنواهي.
{يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار وَمَن يَتَوَلَّ} عن الطاعة {يُعَذّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} لا يقادر قدره والمعنى بالوعد والوعيد هنا أعم من المعنى بهما فيما سبق كما ينبىء عن ذلك التعبير بمن هنا وبضمير الخطاب هناك، وقيل في الوعيد {يُعَذّبْهُ} الخ دون يدخله نارًا ونحوه مما هو أظهر في المقابلة لقوله تعالى: {يُدْخِلْهُ جنات} الخ اعتناء بأمره من حيث أن التعذيب يوم القيامة عذابًا أليمًا يستلزم إدخال النار وإدخالها لا يستلزم ذلك، واعتنى به لأن المقام يقتضيه ولذا جيء به كالمكرر مع الوعيد السابق، ويكفي في الإشارة إلى سبق الرحمة إخراج الوعد هاهنا كالتفصيل لما تقدم والتعبير هناك بإيتاء الأجر الحسن الظاهر في الاستحقاق مع إسناد الايتاء إلى الاسم الجليل نفسه فتأمل فلمسلك الذهن اتساع.
وقرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر والأعرج وشيبة وابن عامر ونافع {ندخله} {ونعذبه} بالنون فيهما. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}.
انتقال إلى طمأنة المخلفين بأنهم سينالون مغانم في غزوات آتية ليعلموا أن حرمانهم من الخروج إلى خيبر مع جيش الإسلام ليس لانسلاخ الإسلام عنهم ولكنه لِحكمة نوط المسبّبات بأسبابها على طريقة حكمة الشريعة فهو حرمان خاص بوقعة معينة كما تقدم آنفًا، وأنهم سيدعون بعد ذلك إلى قتال قوم كافرين كما تُدعى طوائف المسلمين، فذِكر هذا في هذا المقام إدخال للمسرة بعد الحزن ليزيل عنهم انكسار خواطرهم من جراء الحرمان.
وفي هذه البشارة فرصة لهم ليستدركوا ما جنوه من التخلف عن الحديبية وكل ذلك دال على أنهم لم ينسلخوا عن الإيمان، ألا ترى أن الله لم يعامل المنافقين المبطنين للكفر بمثل هذه المعاملة في قوله: {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تَخْرجُوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معِي عدوًّا إنكم رضِيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين} [التوبة: 83].
وكرر وصف من {الأعراب} هنا ليظهر أن هذه المقالة قصد بها الذين نزل فيهم قوله: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا} [الفتح: 11] فلا يتوهم السامعون أن المعنى بالمخلفين كل من يقع منه التخلف.
وأسند {تدعون} إلى المجهول لأنّ الغرض الأمر بامتثال الدّاعي وهو وليّ أمر المسلمين بقرينة قوله بعد في تذييله {ومن يطع الله ورسوله} [الفتح: 17] ودعوة خلفاء الرّسول صلى الله عليه وسلم من بعده ترجع إلى دعوة الله ورسوله لقوله: (ومن أطاع أمري فقد أطاعني).
وعدي فعل {ستدعون} بحرف {إلى} لإفادة أنها مضمنة معنى المشي، وهذا فرق دقيق بين تعدية فعل الدعوة بحرف {إلى} وبين تعديته باللام نحو قولكَ: دعوت فلانًا لما نَابني، قال طرفة:
وإن أُدْع للجُلَّى أكن من حُماتِهَا

وقد يتعاقب الاستعمالان بضرببٍ من المجاز والتسامح.
والقوم أولو البأس الشديد يتعين أنهم قوم من العرب لأن قوله تعالى: {تقاتلونهم أو يسلمون} يشعر بأن القتال لا يرفع عنهم إلا إذا أسلموا، وإنما يكون هذا حُكمًا في قتال مشركي العرب إذ لا تقبل منهم الجزية.
فيجوز أن يكون المراد هوازنَ وثقيف.
وهذا مروي عن سعيد بن جُبير، وعكرمة وقتادة، وذلك غزوة حنين وهي بَعد غزوة خيبر، وأما فتح مكة فلم يكن فيه قتال.
وعن الزهري ومقاتل: أنهم أهل الردة لأنهم من قبائل العرب المعروفة بالبأس، وكان ذلك صدرَ خلافة أبي بكر الصديق.
وعن رافع بن خديج أنه قال: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية {ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد} فلا نعلم من هم حتى دَعَانَا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم، وعن ابن عباس وعطاء بن أبي رباح، وعطاء الخراساني، والحسن هم فارس والروم.
وجملة {تقاتلونهم أو يسلمون} إمّا حال من ضمير {تدعون}، وإما بدل اشتمال من مضمون {تدعون}.
و{أو} للترديد بين الأمرين والتنويع في حالة تُدعون، أي تدعون إلى قتالهم وإسلامهم، وذلك يستلزم الإمعان في مقاتلتهم والاستمرار فيها ما لم يسلموا، فبذلك كان {أو يسلمون} حالًا معطوفًا على جملة {تقاتلونهم} وهو حال من ضمير {تدعون}.
وقوله: {وإن تتولوا كما توليتُم من قبل يعذبكم عذابًا أليمًا} تَعبير بالتوالي الذي مضى، وتحذير من ارتكاب مثله في مثل هذه الدعوة بأنه تَوَلَّ يوقع في الإثم لأنه تولَ عن دعوة إلى واجب وهو القتال للجهاد.
فالتشبيه في قوله: {كما توليتم من قبل} تشبيه في مطلق التولّي لقصد التشويه وليس تشبيهًا فيما يترتب على ذلك التولي.
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.
جملة معترضة بين جملة {وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابًا أليمًا} [الفتح: 16] وبين جملة {ومن يطع الله ورسوله} الآية قصد منها نفي الوعيد عن أصحاب الضَّرارة تنصيصًا على العذر للعناية بحكم التولّي والتحذير منه.
وجملة {من يطع الله} الخ تذييل لجملة {فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرًا حسنًا} [الفتح: 16] الآية لما تضمنته من إيتاء الأجر لكل مطيع من المخاطبين وغيرهم، والتعذيب لكل متولَ كذلك، مع ما في جملة {ومن يطع اللَّه} من بيان أن الأجر هو إدخال الجنات، وهو يفيد بطريق المقابلة أن التعذيب الأليم بإدخالهم جهنم.
وقرأ نافع وابن عامر {ندخلْه} و{نعذبْه} بنون العظمة على الالتفات من الغيبة إلى التكلم.
وقرأ الجمهور {يدخله} بالياء التحتية جريًا على أسلوب الغيبة بعود الضمير إلى اسم الجلالة. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{سَيَقول لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا}.
{المخلفون من الأعراب} قال مجاهد وغيره: هم جهينة ومزينة ومن كان حول المدينة من القبائل، فإنهم في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىعمرته عام الحديبية رأوا أنه يستقبل عدوًا عظيمًا من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة، وهم الأحابيش، ولم يكن تمكن إيمان أولئك الأعراب المجاورين للمدينة فقعدوا عن النبي عليه السلام وتخلفوا، وقالوا لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة، ففضحهم الله في هذه الآية، وأعلم محمد بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، فكان كذلك، قالوا: شغلتنا الأموال والأهلون فاستغفر لنا، وهذا منهم خبث وإبطال، فلذلك قال تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} قال الرماني: لا يقال أعرابي إلا لأهل البوادي خاصة، ثم قال لنبيه عليه السلام {قل} لهم: {فمن يملك لكم من الله شيئًا} أي من يحمي منه أموالكم وأهليكم إن أراد بكم فيها سوءًا.
وقرأ جمهور القراء: {إن أراد بكم ضَرًا} بفتح الضاد.
وقرأ حمزة والكسائي: {ضُرًا} بالضم، ورجحها أبو علي وهما لغتان. وفي مصحف ابن مسعود.
{إن أراد بكم سوءًا}. ثم رد عليهم بقوله: {بل كان الله بما تعملون خبيرًا}، ثم فسر لهم العلة التي تخلفوا من أجلها بقوله: {بل ظننتم} الآية، وفي قراءة عبد الله: {إلى أهلهم} بغير ياء. و: {بورًا} معناه: فاسدين هلكى بسبب فسادهم. والبوار: الهلاك. وبارت السلعة، مأخوذ من هذا.
وبور: يوصف به الجمع والإفراد، ومنه قول ابن الزبعرى: الخفيف:
يا رسول المليك إن لساني ** راتق ما فتقت إذ أنا بور

والبور في لغة أزد عمان: الفاسد، ومنه قول أبي الدرداء: فأصبح ما جمعوا بورًا، أي فاسدًا ذاهبًا، ومنه قول حسان بن ثابت:
لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد ** يهدي الإله سبيل المعشر البور

وقال الطبري في قوله تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} يعني به قولهم: {فاستغفر لنا} لأنهم قالوا ذلك مصانعة من غير توبة ولا ندم، قال وقوله تعالى: {قل فمن يملك} الآية، معناه: وما ينفعكم استغفاري، وهل أملك لكم شيئًا والله قد أراد ضركم بسبب معصيتكم كما لا أملك إن أراد بكم النفع في أموالكم وأهليكم.
{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)}.
لما قال لهم: {وكنتم قومًا بورًا} [الفتح: 12] توعدهم بعد ذلك بقوله: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله} الآية، وأنتم هكذا فأنتم ممن أعدت لهم السعير، وهي النار المؤججة. والمسعر: ما يحرك به النار، ومنه قوله عليه السلام: «ويل من مسعر حرب». ثم رجى بقوله تعالى: {ولله ملك السماوات والأرض}، الآية: لأن القوم لم يكونوا مجاهرين بالكفر، فلذلك جاء وعيدهم وتوبيخهم ممزوجًا فيه بعض الإمهال والترجية، لأن الله تعالى قد كان علم منهم أنهم سيؤمنون، ثم إن الله تعالى أمر نبيه على ما روي بغزو خيبر ووعده بفتحها، وأعلمه أن المخلفين إذا رأوا مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود وهم عدو مستضعف، طلبوا الكون معه رغبة في عرض الدنيا والغنيمة فكان كذلك.
وقوله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} معناه: يريدون أن يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة خيبر. وقال عبد الله بن زيد بن أسلم {كلام الله} قوله تعالى: {قل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًا} [التوبة: 83] وهذا قول ضعيف، لأن هذه الآية نزلت في رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وهذا في آخر عمره، وآية هذه السورة نزلت سنة الحديبية، وأيضًا فقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فضلهم رسول الله بعد ذلك على تميم وغطفان وغيرهم من العرب، الحديث المشهور فأمره الله تعالى أن يقول لهم في هذه الغزوة إلى خيبر: {لن تتبعونا} وخص الله بها أهل الحديبية.
وقوله تعالى: {كذلكم قال الله من قبل} يريد وعده قبل باختصاصهم بها، وقول الأعراب: {بل تحسدوننا} معناه: بل يعز عليكم أن نصيب مغنمًا ومالًا، فرد الله على هذه المقالة بقوله: {بل كانوا لا يفقهون إلا قليلًا} أي لا يفقهون من الأمور مواضع الرشد، وذلك هو الذي خلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ذلك سببًا إلى منعهم من غزوة خيبر.
وقرأ أبو حيوة: {تحسِدوننا} بكسر السين. وقرأ الجمهور من القراء: {كلام} قال أبو علي: هو أخص بما كان مفيدًا حديثا. وقرأ الكسائي وحمزة وابن مسعود وطلحة وابن وثاب: {كلم} والمعنى فيهما متقارب.
{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}.
أمر الله نبيه عليه السلام بالتقدمة إلى هؤلاء المخلفين بأنهم سيؤمرون بقتال عدو بئيس، وهذا يدل على أنهم كانوا يظهرون الإسلام، وإلا فلم يكونوا أهلًا لهذا الأمر، واختلف الناس من القوم المشار إليهم في قوله: {إلى قوم أولي بأس شديد} فقال عكرمة وابن جبير وقتادة: هم هوازن ومن حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين.
قال القاضي أبو محمد: ويندرج في هذا القول عندي من حورب وغلب في فتح مكة.
وقال كعب: هم الروم الذين خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك والذين بعث إليهم في غزوة مؤتة. وقال الزهري والكلبي: هم أهل الردة وبنو حنيفة باليمامة.
وقال منذر بن سعيد: يتركب على هذا القول أن الآية مؤذنة بخلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يريد لما كشف الغيب أنهما دعوا إلى قتال أهل الردة. وحكى الثعلبي عن رافع بن خديج أنه قال: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم، حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم أريدوا. وقال ابن عباس وابن أبي ليلى: هم الفرس. وقال الحسن: هم فارس والروم. وقال أبو هريرة: هم قوم لم يأتوا بعد، والقولان الأولان حسنان، لأنهما الذي كشف الغيب وباقيهما ضعيف. وقال منذر بن سعيد: رفع الله في هذه الجزية، وليس إلا القتال أو الإسلام، وهذا لا يوجد إلا في أهل الردة.
قال القاضي أبو محمد: وهو من حورب في فتح مكة. وقرأ الجمهور من القراء: {أو يسلمون} على القطع، أي أو هم يسلمون دون حرب. وقرأ أبيّ بن كعب فيما حكى الكسائي: {أو يسلموا} بنصب الفعل على تقدير: أو يكون أن يسلموا، ومثله من الشعر قول امرئ القيس: الطويل:
فقلت له لا تبك عيناك إنما ** نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا

يروى: {نموتَ} بالنصب. و{نموتُ} بالرفع، فالنصب على تقدير: أو يكون أن نموت، والرفع على القطع، أو نحن نموت.
وقوله: {فإن تطيعوا} معناه: فيما تدعون إليه، والعذاب الذي توعدهم: يحتمل أن يريد به عذاب الدنيا، وأما عذاب الآخرة فبين فيه.
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.
لما بالغ عز وجل في عتب هؤلاء المتخلفين من القبائل المجاورة للمدينة لجهينة ومزينة وغفار وأسلم وأشجع، عقب ذلك بأن عذر أهل الأعذار من العرج والعمى والمرض جملة ورفع الحرج عنهم والضيق والمأثم، وهذا حكم هؤلاء المعاذير في كل جهاد إلى يوم القيامة، إلا أن يحزب حازب في حضرة ما، فالفرض متوجه بحسب الوسع، ومع ارتفاع الحرج فجائز لهم الغزو وأجرهم فيه مضاعف، لأن الأعرج أحرى الناس بالصبر وأن لا يفر، وقد غزا ابن أم مكتوم، وكان يمسك الراية في بعض حروب القادسية، وقد خرج النسائي هذا المعنى وذكر ابن أم مكتوم رحمه الله.
وقرأ الجمهور من القراء: {يدخله} بالياء. وقرأ ابن عامر ونافع وأبو جعفر والأعرج والحسن وشيبة وقتادة: {ندخله} بالنون، وكذلك {نعذبه} و: {يعذبه}. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{سَيَقول لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا}.
قال مجاهد وغيره: ودخل كلام بعضهم في بعض.
{المخلفون من الأعراب}: هم جهينة، ومزينة، وغفار، وأشجع، والديل، وأسلم.
استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرًا، ليخرجوا معه حذرًا من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت؛ وأحرم هو صلى الله عليه وسلم، وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد حربًا، ورأى أولئك الأعراب أنه يستقبل عدوًا عظيمًا من قريش وثقيف وكنانة والقبائل والمجاورين بمكة، وهو الأحابيش؛ ولم يكن الإيمان تمكن من قلوبهم، فقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتخلفوا وقالوا: لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة، ففضحهم الله عز وجل في هذه الآية، وأعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، فكان كذلك.